آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 7:29 م

لا خطيب يعجب كل النَّاس.. إلا أبا هارون!

المهندس هلال حسن الوحيد *

كبار السنّ في صغرنا يمدحون بعضَ الأطبَّاء يقولون: فلانٌ طبيب يعجبني، وفلانٌ طبيب لا يعجبني. يعجبني لأنه يعطيني حبتين من الدواء ويزول الألم! ثم يعودون لنفسِ الطبيب مرَّات ومرَّات ليأخذوا حبتي الدواء! بونٌ شاسع بين الإعجاب والفائدة، كثيرةٌ هي الأشياء التي تعجبنا دون فائدة، أو فيها فائدة قليلة! أين الزهرة من الشجرة المثمرة، أين كتب الروايات الساحرة من كتبِ العلوم والثقافة، أين الدلال المفرط من بعض القسوة الضرورية؟

أظن أن الفكرة وصلت إلى رأسِ القارئ الكريم، المطلوب من الخطيب أن يفيدَ أكبر قدرٍ من النَّاس، وأن يرفع من ثقافتهم بقدر ما يستطيع، وإن لاقى ذلك الجهد إعجاب المستمع فزِيادة خير. لا يوجد خطيب يرضي كل الأذواق، ولو عاد إلى الحياة اليوم أعاظمُ الخطباء، الذين في زمانهم لاقوا استحسان ما يقرب من الجميع، لوجد فئة من النَّاس لا يعجبهم الخطيب أو الخطاب!

قد يكون الطبيب الأفضل هو الذي يدخلنا إلى غرفة العمليَّات ويزيل العضوَ الذي يسبب الألم، فلا نعود مرة أخرى إلى أخذِ حبتي الدواء. والخطيب المحاضر الأصلح هو الذي لا يعجبنا، لأننا لم نفهم الفكرة، فعلينا أن نسألَ ونقرأ أكثر لكي نستفيد! الخطيب لا يغني عن الكتاب والثَّقافة العامة، هو زيادة نوعيَّة، يعطي خلاصةَ تجاربه وعلمه، يصيبُ ويخطئ، يزيد في حصيلة فكر بعض من يحضر ولا يزيد في فكرِ آخرين. مع أنه إلا أن نكون أنبياء يلهمنا اللهُ شتى العلوم والمعارف من أجل هداية النَّاس، فنحن نحتاج إلى كلّ خطيب، تحصل الفائدة ولا ندرك إلا متأخرًا.

من لطائف الذكريات، حضرتُ حصة دراسيَّة في السنة الأولى من الجامعة، لم أعرف مضمونها، وتبين أنها حصة مخصَّصة لصفوف متقدمة في تخصص مختلف تمامًا عن تخصصي. لم أفهم الكثير من المادة آنذاك، بالكاد نجحت فيها بأقلّ درجة نجاح. الآن، بعد 40 سنة عرفت أنني استفدتُ منها كثيرًا.

ماذا أريد أن أقول؟ من هنا تبدأ الأشياءُ ومن هنا تنتهي! عن أبي هارون المكفوف قال: دخلتُ على أبي عبد الله فقال لي: أنشدني، فأنشدتُه فقالَ: لا، كما تنشدونَ وكما ترثيه عند قبره، فأنشدتُه:

أمرر على جدثِ الحسين ** فقل لأعظمهِ الزكيَّة

قالَ: فلما بكى أمسكتُ أنا فقالَ: مُرَّ «اي: استمرّ» فمررتُ، قالَ: ثم قالَ: زدني، قال: فأنشدتُه:

يا مريمُ قومي واندبي مولاكِ * وعلى الحسينِ فأسعدِي ببكاكِ

قالَ: فبكى وتهايجَ النِّساء، قالَ: فلما أن سكتنَ قالَ لي: يا أبا هارون من أنشدَ في الحسينِ فأبكى عشرة فله الجنَّة ثم جعل ينتقص واحدًا واحدًا حتى بلغ الواحد فقال: من أنشدَ في الحسين فأبكى واحدًا فله الجنَّة ثم قالَ: من ذكره فبكى فله الجنَّة.

مستشار أعلى هندسة بترول