آخر تحديث: 30 / 4 / 2024م - 11:24 ص

ناقصنا فلان..!

اليوم، 2 كانون الثاني/ يناير 2023م كان الصباح ماطرًا. ليس مطرًا غزيرًا، لكن الحمد لله على كل حال! هذا المطر ألا يبعث فيكم ذكريات الطفولة والصداقة؟ بلى يبعث فيّ رائحةَ المدافئ والأصدقاء القدامى ومناظر بيوت الصفيح وجريد النخل التي لا تحجب أسقفها المطر!

القارئ المكرّم، لا بدّ أنك حضرت مع مجموعة من الأصدقاء، وقال أحد الحضور: ناقصنا فلان! أو عزمت بعض الأصدقاء فشَرطوا حضورهم، إذا حضر فلان؟ يعني أن فلان هو من يبعث الروحَ في الاجتماع ويضفي عليه طابعًا خاصًّا! الكلّ يشتهي أن يكون فلان، ويمكن أن يكون كذلك، وإن كانت هي نعمة وهديّة من الله، يعطيها من يشاء!

فلان؛ صاحب الطرفة، صاحب المعلومة، الكرم، الأخلاق، الاستعداد لعمل كلّ شيء لإسعاد غيره! هل يوجد؟ نعم يوجد وإن هم قلة! فلان هذا هو الذي يذكره الناس بخير ويبقى طويلًا في ذاكرتهم، ربما ليس غنيًّا، ولا صاحبَ اختصاص، رجل أو امرأة من عامّة الناس!

هي الأخلاق، لا المال ولا الجاه ما يحبّب النّاس فيه أو فيها! قال أمير المؤمنين : ”إنكم لن تسعوا النَّاس بأموالكم، فسعوهم بطلاقةِ الوجه وحسن اللقاء، فإني سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: إنكم لن تسعوا النّاسَ بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم“.

إذن، لازمنا في الحياة التعايش والمحبة - والتغافل أحيانًا - وحسّ الفكاهة. أوصى الإمام علي بنيه عند احتضاره -: ”يا بني عاشروا النَّاس عشرةً إن غبتم حنوا إليكم، وإن فقدتم بكوا عليكم“.

إذا كنت أنت الذي يسأل عنه النّاس ويصرون على حضوره، طوبى لك، فأنت حزتَ محبة النّاس و”المحبة من الله“. إذ حين أحبّ الله موسى ألقى في قلوب النّاس له المحبة ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي . يحكى إنّ قابلة موسى كانت من الفراعنة، وكانت تريد رفع خبر ولادته إلى فرعون، إلّا أنّه لما وقعت عينها على عينِ موسى ، أحبته وذهب من رأسها فكرة الوشَاية به.

ثقافة الصحبة الطيّبة والسؤال عن الأصحاب ثقافة نحتاجها في حياتنا. نحتاج من يسأل، من يتفقد الصديق عند غيابه: أين فلان صديقنا؟ ”فلان“ الصديق الذي لا يسد فجوةَ غيابه إلا هو!

ولوْ سدَّ غيري، ما سددتُ، اكتفوا بهِ

وما كانَ يغلو التبرُ، لو نفقَ الصفرُ

القارئ العزيز، هل يوجد لديكَ صديق بهذا الوصف؟ أم تظنّ أنه فصل الشتاء الجميل يعبث في أدمغتنا، ويبعث في خواطرنا كلّ شيءٍ بديع! إذا وجدت واحدًا من هذا الصنف النادر، لا تدعه يضيع منكَ في دهاليز الحياة.

وَقَومٌ مِثلُ مَن صَحِبوا كِرامٌ

وَخَيلٌ مِثلُ مَن حَمَلَت خِيارُ

مستشار أعلى هندسة بترول