آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 12:09 م

خلونا نسرق بنك!

أمجد القواعين

في لحظة تأمل وصفاء وبعدما انقطع الإنترنت عن هاتفي بسبب عدم تسديدي للفاتورة، لأنه وكما تعلمون فقد بذرت راتبي خلال 48 ساعة من لحظة نزوله في حسابي البنكي. أتاني الشيطان الرجيم وقدم لي عرضًا ماليًا مشوقًا عن فوائد أن أكون لصًا في زمرة اللصوص، والحقيقة أني من الصغر أحلم بأن أصبح غنيًا فاحش الثراء، وما زال هذا الحلم موجودا مع الاختلاف في عدد الأصفار، ولكن - حسب اقتراح إبليس - تكمن الطريقة الوحيدة المتاحة لتحقيق هذه الغاية في سرقة بنك! لأنه المكان الوحيد الذي أستطيع أن أرفس بابه برجلي اليسرى وأخذ إلي أبغي وأمشي وأسكر الباب من خلفي.

لكنني أعترف لكم بأن ابليس انخدع بي! لأنه ما أن تخطر في بالي فكرة الثراء تنتابني نوبة نوم عميق من الخيالات والتفكير بما سأشتريه بأموالي - الي ما جت للحين - وهذا أمر طبيعي، وحتى تدرك طبيعة الموقف فقط تخيل معي أن لديك مبلغا من المال قدره 500 مليار دولار - عافانا الله وإياك - فماذا ستفعل به؟ ستحقق بالتأكيد حلمك وحلم أجدادك الأولين وأحفادك الآخرين إلى قيام يوم الدين، وستشتري كل ما تتمناه وما لا تتمناه، وستتغير حياتك، وحياة من يعرفك ومعارف من يعرفك إلى أجل غير مسمى.

لكني تعوذت من ابليس وانصرف عني - هداه الله - وأعتذر لأنني قطعت عليك - يا مستر جيف بيزوس - لحظة النشوة التي أصابتك فإنني وأمثالي من الفقراء - وقد أكون أنا فقط - قلوبنا لا تحتمل، لأنك لو وضعت في يدي 10 آلاف ريال - وقد يرفع الآخرين هذا الرقم قليلًا -، فإنك ستفسدني به - سامحك الله ورعاك وسدد خطاك - وقد تجعلني فتىً منحرفًا، وأنا لا أريد أن أنحرف للأسف!.

فتوضأت وأنتم تعلمون أنني لا أكذب - يارب سامحني -. وجلست مع نفسي وهي تؤنبني وتنهاني عن الانجرار لوساوس الشيطان، وتردد قائلةً: بدلًا من الشكوى من ارتدائك حذاءً باليًا فكر في شعور مبتور الساقين، وبدلا من تذمرك من عملك اليومي تحدث مع عاطل عن العمل واستمع لكمية الآلام التي يعيشها، وبدلًا من التأفف من تناول ما تبقى من صينية الورق عنب الذي طبخته أختك الليلة الماضية، اذهب وتطوع مع احدى الجمعيات الخيرية وانظر بعينيك - الي بيأكلهم الدود - لحالهم ولما يعانون.

أعجبني كلام نفسي وما توقعت منها هالكلام!، فتغيرت نظرتي لها وأيقنت وعلمت علم اليقين - أو شبه اليقين أو شبه شبهه - أن تقديرنا وحمدنا لله لما لدينا كل يوم من أيام حياتنا سيزيد صافي قيمة الأصول الشخصية في حساب رضانا عما نملك ونحن لا نشعر، ولا أقصد بذلك قيمة دفتر الشيكات.

فلذلك وبعد مشاهدتي لمقاطع اليوتيوب الموجودة في آيباد اخي الصغير، بتُّ أستحسن فكرة إنشاء جمعية ترعاها الأمم المتحدة وحلف الناتو لحماية الذوق العام للطفل ولمكافحة تصوير المشاهير لأسطول سيارات السوناتا خاصتهم، وتصوير أن من يملك أموالا فسيسحق الأعداء والمتربصين وهو من المقربين والنخبة المصطفاة وحجج الإله على أهل الورى، وأن من لا يملك مثلهم فهو طايح حظ - طيح الله حظه - وهو لا يستحق حتى العيش ويجب أن يصلب في ميدان عام. وأن تكون من مهام هذه - الجمعية المباركة - رفع القيمة الموجودة في القلب والنفس الراضية بما قسم الله تعالى لها، والتي هي من تجعل من صاحبها الرجل الأغنى في العالم.

أشعر بأنى أطلت عليكم. في النهاية أدعوك بالبدء من الآن بحساب التوفير الخاص بك عن طريق تدوين وكتابة ما تملك من صحة وعافية وعائلة جميلة وأطفال وخيرات من الله، تجعلك فاحش الثراء، وبعد الانتهاء ستجد أعظم كنوزك التي لا يضاهيها الذهب الخالص ”أنت الذهب يا ذهب“.