آخر تحديث: 30 / 4 / 2024م - 10:38 م

بنو أمّ واحدة أقرب من بني عَلاَّت!

يكبر أبناء الأمّ الواحدة وتفترق دروبهم وتختلف مصائرهم، لكنهم يبقون يذكرون شيئين اثنين: الأول هو حليب الأم الذي رضعوا منها جميعًا، تشربوا منه كلهم، والثاني هو الدار التي ولدوا فيها، فهم يحنون لها على الدوام! فلو تخلوا عن أيّ الأمرين فقدوا شهيتهم في الأخوة.

جرت محاورة بين موسى وأخيه هارون عليهما السلام استعطفَ فيها هارونُ أخاه موسى قائلًا: ﴿ياابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولا بِرَأْسِي . الأمر بيّن وواضح أنّ موسى تحدث مع أخيه هارون وهو في فورة وحدّة من الغضب وكان يصرخ في وجهه، وقد أخذ برأسه ولحيته يجره إليه وأنّ أمرًا ما حصل بين الأخوين يستحق استدعى هذا الحوار الجادّ!

ما أن رأى هارون غضب أخيه الشديد حتى سارعَ وقال له من أجل تهدئتِه وليقلّل من غضبه، ويوضح عذره فيما حصل: ﴿يا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولا بِرَأْسِي إنِّي خَشِيتُ أنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسْرائِيلَ ولَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي . ابن أُم أو ابن أمي، كلمة استرحام واسترآف قالها هارون لإِسكات غضب موسى، وموسى لا يغضب إلا لله وفي الله وهارون لا يفعل إلا ما يرضي الله.

فعلامَ إذن بعض الإخوة من أمّ واحدة قلبهم مثل الحجر فتراهم على الغريب أرأف وأرحم من بعضهم على بعض؟! ليس من الصعب معرفة لماذا قال هارون ابن أمّ! فقوله هذا ذكَّر موسى بصلة الأمومة واستجلب عطفه، فإن للمحبة والمودة جسورًا تنهار عندما ينهار جسر الأمومة. يروي التاريخ أن هارون مات قبل موسى فبكاه موسى وشقّ جيبه حزنًا وأسفًا عليه.

عن عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ هَارُونَ لِمَ قَالَ لِمُوسَى : يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي وَ لَمْ يَقُلْ يَا ابْنَ أَبِي فَقَالَ: إِنَّ الْعَدَاوَاتِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ أَكْثَرُهَا تَكُونُ إِذَا كَانُوا بَنِي عَلَّاتٍ وَمَتَى كَانُوا بَنِي أُمٍّ قَلَّتِ الْعَدَاوَاتُ بَيْنَهُمْ إِلَّا أَنْ ينزع «يَنْزَغَ» الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمْ فَيُطِيعُوهُ فَقَالَ هَارُونُ لِأَخِيهِ مُوسَى: يَا أَخِي الَّذِي وَلَدَتْهُ أُمِّي وَلَمْ تَلِدْنِي غَيْرُ أُمِّهِ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي وَلَمْ يَقُلْ يَا ابْنَ أَبِي لِأَنَّ بَنِي الْأَبِ إِذَا كَانَتْ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى لَمْ تُسْتَبْعد الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمْ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا تُسْتَبْعد الْعَدَاوَةُ بَيْنَ بَنِي أُمٍّ وَاحِدَةٍ قَالَ قُلْتُ لَهُ: فَلِمَ أَخَذَ بِرَأْسِهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ وَبِلِحْيَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي اتِّخَاذِهِمُ الْعِجْلَ وَعِبَادَتِهِمْ لَهُ ذَنْبٌ فَقَالَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُمْ لَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ وَ لَمْ يَلْحَقْ بِمُوسَى وَكَانَ إِذَا فَارَقَهُمْ يَنْزِلُ بِهِمُ الْعَذَابُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ مُوسَى: يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي؟ قَالَ هَارُونُ: لَوْ فَعَلْتُ ذَلِكَ لَتَفَرَقُّوا وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ لِي فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي.

مستشار أعلى هندسة بترول